بين التصعيد والإحتواء.. مستقبل حضرموت والمهرة بعد سيطرة الانتقالي
ملخص
لا تزال السعودية تبذل جهودها الرامية لاحتواء التصعيد الذي تشهده محافظتا حضرموت والمهرة بعد سيطرة قوات المجلس الانتقالي – المدعوم إماراتياً على وادي حضرموت ومحافظة المهرة، المنطقتين المحاذيتين لحدود المملكة الجنوبية مع اليمن.
أرسلت الرياض وفداً رفيعاً – برئاسة اللواء محمد القحطاني- التقى فور وصوله المكلا- عاصمة محافظة حضرموت محافظ المحافظة سالم الخنبشي، وعدداً من المسؤولين والقيادات السياسية والعسكرية والشخصيات الاجتماعية، وكان أهم اللقاءات قد انعقد في منطقة العبر وتحدث فيه اللواء القحطاني عن ضرورة انسحاب قوات الانتقالي من حضرموت والمهرة.
مؤخراً عقد وفد عسكري سعودي- إماراتي عدة لقاءات في العاصمة المؤقتة عدن، وهي اللقاءات التي قالت وسائل الإعلام السعودية إنها تهدف للاتفاق على آلية انسحاب قوات الانتقالي من حضرموت والمهرة، إلا أن قيادات في المجلس الانتقالي نفت ذلك، وقالت إن اللقاءات تناقش الأوضاع بصفة عامة، وإن الانسحاب غير مطروح.
تحاول هذه الدراسة الإجابة عن التساؤل التالي: ما مستقبل حضرموت، بما تمثل من خصوصية للمملكة العربية السعودية، بعد سيطرة قوات الانتقالي على وادي حضرموت الذي ظل بعيداً عن الصراعات؟ سيما في ظل تنامي حالة الرفض والإدانة من الحكومة الشرعية اليمنية ممثلة بالرئاسة والبرلمان بغرفتيه (مجلسي النواب والشورى)، بالإضافة للأحزاب والمكونات السياسية على مستوى اليمن، وفي حضرموت على وجه الخصوص، فضلاً عن الرفض السعودي، باعتبار الرياض فاعلاً رئيسياً في المشهد اليمني.
الإمارات تتحدى النفوذ السعودي
مطلع ديسمبر الجاري، سيطرت القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً على وادي حضرموت الذي يقع ضمن نطاق المنطقة العسكرية الأولى التابعة للحكومة الشرعية، وتبع ذلك سيطرة الانتقالي على مناطق أخرى في ساحل حضرموت كان يسيطر عليها "حلف قبائل حضرموت" الذي تأسس عام 2013، بقيادة الشيخ عمرو بن حبريش.
ويرى مراقبون إن هذا التصعيد يمثل "تحولاً كبيراً" ستكون له تداعيات إقليمية، حيث تبدو الإمارات "الفائز الرئيسي" من خلال توسيع نفوذها في اليمن، ما يعني تغيير ميزان القوى، ليطرح معه التساؤل التالي: كيف سترد المملكة العربية السعودية، بالنظر إلى التداعيات المباشرة على أمنها القومي[1].
وبهذا تكتمل سيطرة الذراع المحلي لأبوظبي على المناطق الواقعة جنوب المملكة في حضرموت والمهرة، بالإضافة إلى كون الأخيرة تقع على حدود سلطنة عُمان، حيث تسيطر القوات المدعومة من الإمارات الآن على النصف الجنوبي لليمن بأكمله تقريباً، بما في ذلك المناطق الساحلية الرئيسية، ومن ضمنها جزيرة ميون الاستراتيجية في مضيق باب المندب، وجزيرة سقطرى البركانية في المحيط الهندي[2].
ووصفت صحيفة الغارديان البريطانية استيلاء الإمارات على حضرموت والمهرة بأنه "نكسة كبيرة للسعودية".[3]
وبحسب تقرير نشرته مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي- في أبريل الماضي، فإن الإمارات بدأت في تحدي النفوذ السعودي منذ العام 2016، عندما أنشأت قوات النخبة الحضرمية، وسيطرت على ساحل بحر العرب، الذي يعتبره السعوديون جزءاً من أمنهم القومي[4].
وقال التقرير إن نهج الإمارات تجاه حضرموت يُعد جزءاً لا يتجزأ من سياساتها في جنوب اليمن وأولوياتها الإقليمية الأوسع. وتعتمد هذه السياسات على تشكيل واستغلال التشرذم في مناطق الصراع من خلال الشراكات وشبكات المحسوبية، ومن بين أهداف الإمارات – وفق التقرير- تأمين طرق الطاقة والتجارة البحرية على طول بحر العرب، وبسط القوة البحرية لاستكمال وجودها في عدن والحديدة وتعز وشبوة وسقطرى. وتساعد هذه الأهداف في حماية مصالح الإمارات في المحيط الهندي وتسمح بالتحكم في موانئ اليمن، مما يمكنها من تعزيز المكانة الرائدة لميناء جبل علي الإماراتي. بالإضافة إلى طموح الإمارات في بناء نفوذ أكبر في اليمن، على طول الحدود السعودية وعبر خليج عدن، وذلك لتأمين نفوذ يسمح بالتبادل في سياقات إقليمية أخرى[5].
رفض يمني ومحاولة احتواء سعودية
توسعت حالة الرفض والتنديد بسيطرة المجلس الانتقالي على وادي حضرموت، وفي طليعتها موقف المملكة العربية السعودية، حيث أكد اللواء محمد القحطاني رئيس الوفد السعودي، موقف المملكة الثابت تجاه اليمن ومحافظة حضرموت، ويتمثل في "فرض التهدئة ودعم الأمن والاستقرار، ورفض أي محاولات لفرض أمر واقع بالقوة أو إدخال المحافظة في دوامة صراعات جديدة"[6]، وجدد القحطاني -خلال لقاء مع شيوخ ووجهاء حضرموت- استمرار موقف المملكة الذي يتضمن "خروج جميع القوات التابعة للمجلس الانتقالي من محافظتي حضرموت والمهرة وإعادة الاوضاع الى سابق عهدها"، مشدداً على رفض أي محاولات تعيق مسار التهدئة[7].
وبدورها أكدت الرئاسة رفض تحركات الانتقالي في حضرموت والمهرة، ونقلت وكالة الأنباء الرسمية عن رئيس مجلس القيادة الدكتور رشاد العليمي "الرفض المطلق لأي إجراءات أحادية من شأنها تقويض المركز القانوني للدولة، أو الإضرار بالمصلحة العامة، وخلق واقع مواز خارج إطار المرجعيات الوطنية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة، واتفاق الرياض، وتشديده على أهمية عودة أي قوات مستقدمة من خارج المحافظات الشرقية، إلى ثكناتها"[8].
وفي لقائه سفيرتي فرنسا وبريطانيا والقائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة الأمريكية أشار العليمي إلى أن
"التحركات العسكرية الأحادية التي شهدتها المحافظات الشرقية، تمثل تحديا مباشرا لجهود التهدئة، وتهديدا للمكاسب المحققة على صعيد الإصلاحات الاقتصادية واستقرار العملة وانتظام صرف المرتبات، وتحسين الخدمات الأساسية، وفي وقت تبذل فيه الحكومة جهودًا كبيرة بدعم من الأشقاء والأصدقاء لتعزيز الثقة مع مجتمع المانحين، والتخفيف من معاناة المواطنين"[9].
ومن جهته أعلن مجلس النواب، "رفضه القاطع لأي إجراءات أحادية، أو تحركات عسكرية خارج إطار التوافق الوطني والاتفاقيات المنظمة للعملية السياسية، واصفاً التطورات الأخيرة في المحافظات الشرقية، بأنها مخالفة صريحة للشرعية الدستورية، وصلاحيات مجلس القيادة الرئاسي"[10].
كما صدر بيان عن مجلس الشورى (الغرفة الثانية للبرلمان)، أعلن فيه رفضه ما وصفها بـ"إجراءات أحادية تهدد السلم المجتمعي، وتضرب أسس الدولة ومؤسساتها، وتنذر بانزلاق خطير نحو مسارات لا تخدم إلا مشاريع الفوضى وتقويض الشرعية الدستورية".[11]
عدد من الأحزاب السياسية أعربت عن "رفضها الكامل للإجراءات الأحادية التي أقدم عليها المجلس الانتقالي، بما في ذلك تحريك قوات من خارج مناطقها، وإنشاء هياكل أمر واقع، والاعتداء على صلاحيات الحكومة الشرعية باعتبارها المرجعية التنفيذية الوحيدة"، وقالت في بيان لها "إن محاولة إخضاع المحافظات بالقوة تمثل تهديدًا مباشرًا لوحدة القرار الأمني والعسكري، وقد تدفع نحو صراعات داخلية لا يستفيد منها سوى مليشيا الحوثي ومشروعها المدعوم من إيران".
من جهته أصدر المجلس الموحد للمحافظات الشرقية (حضرموت والمهرة وشبوة وسقطرى)، أعلن فيه "رفض أي تدخلات عسكرية أو تشكيلات موازية تهدف للالتفاف على إرادة أبناء حضرموت"، وقال بيان اللجنة التحضيرية للمجلس إن أبناء المحافظات الشرقية "يتمسكون بحقهم في إدارة شؤون محافظاتهم بعيدًا عن أي وصاية أو فرض مشاريع بقوة السلاح"، محذّرة مما أسمتها "مشاريع الهيمنة"[12].
ولم يقتصر الرفض على الأطراف اليمنية والسعودية، فقد اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "إن ما تشهده محافظة حضرموت، تطوراً وتصعيداً خطيراً"[13].
سيناريوهات المستقبل
لا تزال الصورة قاتمة حول مستقبل حضرموت والمهرة مع استمرار جهود المملكة في محاولة احتواء التصعيد الذي باشره الانتقالي، الأمر الذي يطرح عدداً من التساؤلات عن رد الفعل السعودي في حال استمر الرفض من المجلس الانتقالي للمطلب الرئيس الذي تطرحه الرياض بقوة – والحكومة اليمنية التي يعد الانتقالي جزءاً منها-
ففي حين يرى البعض أن الرياض لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه تهديد مباشر في محيط متصل بأمنها القومي، يرى آخرون إمكانية توصل السعودية مع الإمارات الداعمة للانتقالي إلى حلول وسط تبقي في مجملها على سيطرة الانتقالي مع إفساح المجال لقوات درع الوطن المدعومة من السعودية كي تسيطر على بعض مناطق حضرموت، سيما المناطق الحدودية مع المملكة.
ويمكن أن نشير هنا إلى أن الانتقالي الذي لا يزال يرفض مجرد النقاش في موضوع انسحاب قواته من حضرموت والمهرة، يملك- إلى جانب الدعم والغطاء الإماراتي عددا من نقاط القوة، كتلة بشرية كبيرة من المقاتلين الذين جرى تسليحهم وتدريبهم في الفترة الماضية، فضلاً عن الآليات والمعدات العسكرية الحديثة التي رجحت كفته في عدة جولات من الصراع مع القوات الحكومية في عدن وأبين وشبوة منذ العام 2018، بالإضافة إلى كونه بات المسيطر على المدن والمراكز الرئيسية وفي مقدمتها عدن والمكلا، فضلاً عن سيطرته على السواحل والمنافذ والموانئ والمطارات والمنشئات الحيوية وحقول النفط وغيرها.
في المقابل تبدو السعودية قادرة على تحريك جملة من أوراقها – في مواجهة تصعيد الانتقالي- منها التلويح بعزل الانتقالي ومناطق سيطرته من خلال الانسحاب الكامل وإيقاف الدعم، وهو ما يعني أن الانتقالي سيكون مجبراً على مواجهة الاستحقاقات اليومية منفرداً وبدون غطاء أو شراكة، فيما لا يزال بمقدور الرياض تحريك الورقة الدبلوماسية بإشراك فاعلين محليين وإقليميين في ممارسة الضغط على الانتقالي وداعميه، أو من خلال نسج علاقات تعاون مع خصوم الانتقالي في المهرة وحضرموت، وإجباره على القبول بمطالب الرياض- ولو في حدودها الدنيا.
وفيما يلي تلخيص بأبرز السيناريوهات المتوقعة في هذا السياق:
السيناريو الأول: بقاء قوات الانتقالي في وادي حضرموت والمهرة وفرض سلطة أمر واقع:
وهو ما تبين من خلال تصريحات وبيانات الانتقالي في الأيام الأخيرة، ورفض مطالب الرئاسة والرياض بالانسحاب، واعتبار ما جرى من استيلاء جزءاً من استحقاق أنجزه الانتقالي كممثل لأبناء المحافظات الجنوبية، سيما وأنه دعم هذا الخطاب بإقامة اعتصامات واسعة لأنصاره في عدن وبقية المحافظات، تطالب بإعلان استقلال الجنوب.
السيناريو الثاني: انسحاب تتوافق عليه الرياض وأبوظبي:
وتبدو مؤشراته من خلال توافق قيادات عسكرية من البلدين، غير أن الوفد الإماراتي لا يزال يرمي بالكرة في ملعب الانتقالي، مطالبا السعوديين بالتفاوض مباشرة مع قيادة الانتقالي، غير أن المتوقع- وفق هذا السيناريو – أن يصل الطرفان الأبرز في تحالف دعم الشرعية لصيغة مناسبة تقضي بانسحاب قوات الانتقالي من مناطق سيطرتها الجديدة في المهرة ووادي حضرموت، مقابل ضمانات وتطمينات تمنح الانتقالي امتيازات مقابلة.
السيناريو الرابع: انسحاب سعودي من مناطق سيطرة الانتقالي الرئيسية في عدن ولحج، والتركيز على المناطق الحدودية والمنافذ الرئيسية:
وظهرت مؤشرات كثيرة في هذا الصعيد، أبرزها انسحاب كامل لألوية درع الوطن التي كانت موجودة في عدن ولحج وأبين والضالع، وانتقالها إلى مناطق العبر والوديعة والخشعة شمال حضرموت، وهذا سيمنح الانتقالي فرصة بسط النفوذ على المناطق وفرض سلطات وقرارات ذات نزعة انفصالية، لكنه سيواجه تحديات إدارية ومالية جديدة، خاصة مع احتمال أن تفرض عليه الرياض عزلة سياسية لن يكون بمقدور أبو ظبي مساعدته في الخروج منها.
المراجع
[1] UAE-backed separatists tighten grip over southern Yemen, and airspace is briefly closed. AP
9 ديسمبر 2025، وشوهد بتاريخ 12 ديسمبر 2025، على الرابط:
https://apnews.com/article/yemen-civil-war-saudi-arabia-uae-d29e9a9d3cb60c8c1b009bfcbe1c28c0
[2] نفسه.
[3] STC troops now control all eight governorates, a major setback for Emirates’ regional rival Saudi Arabia
الغارديان، 8 ديسمبر 2025، شوهد بتاريخ 12 ديسمبر 2025، على الرابط:
[4] الخلافات السعودية الإماراتية تضع حضرموت على مفترق طرق، إبراهيم جلال، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أبريل 2025، شوهد بتاريخ 11 ديسمبر 2025، على الرابط: https://carnegieendowment.org/research/2024/12/saudi-emirati-divergences-lead-hadhramawt-to-a-crossroad?lang=ar .
[5] نفسه.
[6] مسؤول سعودي: المملكة تطالب بخروج "قوات الانتقالي" من حضرموت والمهرة، شبكة سي إن إن عربي، 10 ديسمبر 2025، شوهد في 12 ديسمبر 2025 على الرابط:
[7] نفسه.
[8] رئيس مجلس القيادة يستقبل سفيرتي فرنسا والمملكة المتحدة والقائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة، 7 ديسمبر 2025، شوهد بتاريخ 10 ديسمبر 2025، على الرابط: https://www.sabanew.net/story/ar/139051 .
[9] المرجع نفسه.
[10] مجلس النواب يعلن رفض الإجراءات الأحادية والتحركات العسكرية خارج إطار التوافق الوطني، 10 ديسمبر 2025، شوهد بتاريخ 12 ديسمبر 2025، على الرابط: https://www.sabanew.net/story/ar/139223 .
[11] مجلس الشورى يؤكد رفضه القاطع لأي مشاريع خارج إطار الدولة، وكالة سبأ، 10 ديسمبر 2025، شوهد بتاريخ 12 ديسمبر 2025، على الرابط: https://www.sabanew.net/story/ar/139247 .
[12] المجلس الموحد للمحافظات الشرقية يحذر من محاولات الانتقالي فرض واقع جديد بالقوة، مأرب برس، 11 ديسمبر 2025، شوهد بتاريخ 12 ديسمبر 2025، على الرابط: https://marebpress.net/news_details.php?lang=arabic&sid=215410 .
[13] غوتيريش للحدث: "الدعم السريع" ارتكبت الفظائع.. وتطورات حضرموت تصعيد خطير، موقع قناة العربية/ الحدث، 11 ديسمبر 2025، شوهد بتاريخ 12 ديسمبر 2025، على الرابط: https://tinyurl.com/29hwd9d6 .
